الجمعة، 12 نوفمبر 2010

أما والذي حج المحبون بيته *** ولبوا له عند المهل وأحرموا


بسم الله الرحمن الرحيم
هذه أبيات من القصيدة الميمية لإبن قيّم الجوزية
في وصف ( رحلة الحج )
إفاضة الحجيج
أما والذي حج المحبون بيته *** ولبوا له عند المهل وأحرموا
وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعا *** لعزة من تعنوا الوجوه وتسلم
يهلوان بالبيداء لبيك ربنا *** لك الحمد والملك الذي أنت تعلم
دعاهم فلبوه رضا ومحبة *** فلما دعوه كان أقرب منهم
تراهم على الأنضاء شعثا رؤوسهم *** وغبرا وهم فيها أسر وأنعم
وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبة *** ولم تثنهم لذاتهم والتنعم
يسيرون في أقطارها وفجاجها *** رجالا وركبانا ولله أسلموا

رؤية البيت العتيق
ولما رأت أبصارهم بيته الذي *** قلوب الورى شوقا إليه تضرم
كأنهم لم ينصبوا قط قبله *** لأنهم شقاهم قد ترحل عنهم
فلله كم من عبرة مُهَراقة *** وأخرى على آثارها لا تقدم
إذا عاينته العين زال ظلامها *** وزال عن القلب الكئيب التألم
ولا عجبا من ذا فحين أضافه *** إلى نفسه الرحمن فهو المعظم
كساه من الإجلال أعظم حلة *** عليها طراز بالمُلاحة مُعْلم

الذهاب إلى عرفة
وراحوا إلى التعريف يرجون رحمة *** ومغفرة ممن يجود ويكرم
فلله ذاك الموقف الأعظم الذي *** كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم
ويدن به الجبار جل جلاله *** يباهي بهم أملاكه فهو أكرم
يقول عبادي قد أتوني محبة *** وإني بهم بر أجود وأرحم
وأشهدكم أني غفرت ذنوبهم *** وأعطيتهم ما أملوه وأُنعم
فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي *** به يغفر الله الذنوب ويرحم
فكم من عتيق فيه كُمَّل عتقه *** وآخرَ يُستسعى وربك أرحم

ذلة الشيطان في ذلك اليوم
وما رُؤي الشيطان أحقر في الورى *** وأدحر منه عندها فهو ألوم
وذاك لأمر قد رآه فغاظه *** فأقبل يحثُ الترب عنه ويلطم
لما عاينت عيناه من رحمة أتت *** ومغفرة من عند ذي العرش تُقسم
بنى ما بنى حتى إذا ظن أنه *** تمكن من بنيانه فهو محكم
أتى الله بنيانا له من أساسه *** فخر عليه ساقطا يتهدم
وكم قدر ما يعلوا البناء وينتهي *** إذا كان يبنيه وذو العرش يهدم

الذهاب لمزدلفة
وراحوا إلى جَمْع فباتوا بمشعر الحرام *** وصلوا الفجر تم تقدموا
إلى الجمرة الكبرى يريدون رميها *** لوقت صلاة العيد تم تيمموا
منازلهم للنحر يبغون فضله *** وإحياء نسك من أبيهم يعظم
فلو كان يرضي الله نحر نفوسهم *** لجادوا بها طوعا وللأمر سلموا
كما بذلوا عند الجهاد نحورهم *** لأعدائه حتى جرى منهم الدم
ولكنهم دانوا بوضع رؤوسهم *** وذلك ذلك للعبيد ومِيسم

إلى طواف الإفاضة
ولما تقضّوا ذلك التفث الذي *** عليهم وأوفوا نذرهم ثم تمموا
دعاهم إلى البيت العتيق زيارة *** فيا مرحبا بالزائرين وأكرم
فلله ما أبهى زيارتهم له *** وقد حصلت تلك الجوائز تقسم
ولله أفضال هناك ونعمة *** وبر وإحسان وجود ومرحم


عودة إلى منى
وعادوا إلى تلك المنازل من منى *** ونالوا مناهم عندها وتنعموا
أقاموا بها يوما ويوما وثالثا *** وإذن فيهم بالرحيل وأُعلموا
وراحوا إلى رمي الجمار عشية *** شعارهم التكبير والله معْهم
ولو أبصرت عيناك موقفهم بها *** وقد بسطوا تلك الأكفُ ليرحموا
ينادونه يا ربِ يا ربِ إننا *** عبيدك لا نرجوا سواك وتعلم
وها نحن نرجو منك ما أنت أهله *** فأنت الذي تعطي الجزيل وترحم


إلى طواف الوداع
ولما تقضّوا من منى كل حاجة *** وسالت بهم تلك البطاح تقدموا
إلى الكعبة البيت الحرام عشية *** وطافوا بها سبعا وصلوا وسلموا
ولما دنا التوديع منهم وأيقنوا *** بأن التداني حبله متصرم
ولم يبق إلا وقفة لمودع *** فلله أجفان هناك تسجَّم
فلم تر إلا باهتا متحيرا *** وآخر يبدي شجوه يترنم
رحلت وأشواقي إليكم مقيمة *** ونار الأسى مني تشب وتضرم
أودعكم والشوق يثني أعنتي *** إليكم وقلبي في حماكم مخيم
هنالك لا تثريب يوما على امرئ *** إذا ما بدا منه الذي كان يكتم

The Straight Path